سورة الواقعة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


قوله تعالى: {ما أصحابُ الشِّمال} قد بيَّنّا أنه بمعنى التعجُّب من حالهم؛ والمعنى: ما لهم، وما أُعدَّ لهم من الشَّرِّ؟! ثم بيَّن لهم سوء مُنْقَلَبهم فقال: {في سَموم} قال ابن قتيبة: هو حَرُّ النّار.
قوله تعالى: {وظِلٍّ من يَحْمومٍ} قال ابن عباس: ظِلّ من دخان. قال الفراء: اليَحْموم: الدُّخان الأسود، {لا باردٍ ولا كريمٍ} فوجه الكلام الخفض تبعاً لما قبله، ومثله {زَيْتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيَّةٍ} [النور: 35]، وكذلك قوله: {وفاكهةٍ كثيرةٍ، لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ}، ولو رفعتَ ما بعد {لا} كان صواباً، والعرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه فعلاً يُنوي به الذم، فتقول: ما هذه الدار بواسعة ولا كريمة، وما هذا بسمين ولا كريم. قال ابن عباس: لا بارد المدخل ولا كريم المنظر.
قوله تعالى: {إِنهم كانوا قَبْلَ ذلك} أي: في الدنيا {مُتْرَفِينَ} أي: متنعِّمين في ترك أمر الله، فشغلهم تَرفُهم عن الاعتبار والتعبُّد.
{وكانوا يُصِرُّونَ} أي: يُقيمون {على الحِنْث} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشِّرك، قاله ابن عباس، والحسن، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله مجاهد. وعن قتادة كالقولين.
والثالث: أنه اليمين الغموس، قاله الشعبي.
والرابع: الشِّرك والكفر بالبعث، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أَوَ آباؤنا الأوَّلون} قال أبو عبيدة: الواو متحركة لأنها ليست بواو {أو}، إنما هي {وآباؤنا}، فدخلت عليها ألف الاستفهام فتُركتْ مفتوحة. وقرأ أهل المدينة، وابن عامر: {أَوْ آباؤنا} بإسكان الواو.
وقد سبق بيان ما لم يُذْكَر هاهنا [هود: 103، الصافات: 62، الأنعام: 70] إلى قوله: {فشاربونَ شُربَ الهِيمِ} قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة: {شُرْبَ} بضم الشين؛ والباقون بفتحها. قال الفراء: والعرب تقول: شَرِبْتُه شُرْباً، وأكثر أهل نجد يقولون: شَرْباً بالفتح، أنشدني عامَّتهم:
تَكْفيهِ حَزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلمَّ بها *** من الشِّواءِ ويَكْفِي شَرْبَهُ الغُمَرُ
وزعم الكسائي أن قوماً من بني سعد بن تميم يقولون: {شِرْبَ الهِيم} بالكسر. وقال الزجاج: الشَّرْب المصدر، والشُّرْب بالضم: الاسم، قال: وقد قيل: إنه مصدر أيضاً.
وفي {الهِيم} قولان:
أحدهما: الإبل العِطاش، رواه ابن أبي طلحة والعوفيُّ عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة. قال ابن قتيبة: هي الإبل يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء، يقال: بعيرٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ.
والثاني: أنها الأرض الرَّملة التي لا تَرْوَى من الماء، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. قال أبو عبيدة: الهِيم: ما لا يَرْوَى من رَمْل أو بعير.
قوله تعالى: {هذا نُزُلُهم} أي: رزقهم. ورواه عباس عن أبي عمرو: {نُزْلُهم} بسكون الزاي، أي: رزقهم وطعامهم. وفى {الدِّين} قولان قد ذكرناهما فى الفاتحة.


قوله تعالى: {نحن خَلَقْناكم} أي: أوجدناكم ولم تكونوا شيئاً، وأنتم تُقِرُّونَ بهذا {فلولا} أي: فهلاّ {تصدِّقونَ} بالبعث؟!
ثم احتجَّ على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال: {أفرأيتم ما تُمْنونَ} قال الزجاج: أي: ما يكون منكم من المَنِيِّ، يقال: أمنى الرجل يُمْني، ومَنى يَمني، فيجوز على هذا {تَمْنونَ} بفتح التاء إن ثبتت به رواية.
قوله تعالى: {أأنتم تَخْلُقونه أَمْ نحن الخالقون} أي: تخلُقون ما تُمنون بَشَراً؟! وفيه تنبيه على شيئين.
أحدهما: الامتنان، إذا خلق من الماء المَهين بَشَراً سوياً.
والثاني: أن من قَدَر على خَلْق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدَرَ على خَلْق ما غاب عنكم من إعادتكم.
قوله تعالى: {نحن قَدّرْنا بينَكم المَوْتَ} وقرأ ابن كثير: {قَدَرْنا} بتخفيف الدال. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: قضينا عليكم بالموت.
والثاني: سوّينا بينكم في الموت {وما نحن بمسبوقين، على أن نبدِّل أمثالكم} قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلُق خَلْقاً غيركم لم يسبقنا سابق، ولا يفوتنا ذلك. وقال ابن قتيبة: لسنا مغلوبين على أن نَستبدل بكم أمثالكم.
قوله تعالى: {ونُنْشِئكم في ما لا تعلمون} وفيه أربعة أقوال.
أحدها: نبدِّل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم، قاله الحسن.
والثاني: ننشئكم في حواصل طير سود تكون ب «برهوت»% كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث: نخلقكم في أيّ خَلْق شئنا، قاله مجاهد.
والرابع: نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي. قال مقاتل: نخلقكم سوى خلقكم في مالا تعلمون من الصور.
قوله تعالى: {ولقد عَلِمْتم النَّشْأة الأُولى} وهي ابتداء خَلقكم من نُطفة وعَلَقة {فلولا تَذَكَّرونَ} أي: فهلاّ تَعتبِرون فتعلموا قُدرة الله فتُقِرُّوا بالبعث.


{أفرأيتم ما تحرُثونَ} أي: ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء البذور فيها، {أأنتم تزرعونه} أي: تُنبِتونه؟! وقد نبَّه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القُوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد.
قوله تعالى: {لجَعَلْناه} يعني الزرع {حُطاماً} قال عطاء: تبناً لا قمح فيه. وقال الزجاج: أبطلْناه حتى يكون محتطماً لا حنطة فيه، ولا شيء.
قوله تعالى: {فظَلْتُم} وقرأ الشعبي، وابو العالية، وابن أبي عبلة: {فظِلْتُم} بكسر الظاء؛ وقد بيناه في قوله: {ظَلْتَ عليه عاكفاً} [طه: 97].
قوله تعالى: {تَفَكَّهونَ} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع، والقاسم بن محمد، وعروة: {تَفَكَّنونَ} بالنون. وفي المعنى أربعة أقوال.
أحدها: تَعَحَّبون، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، ومقاتل. قال الفراء: تتعجَّبون ممّا نَزَل بكم في زرعكم.
والثاني: تَنَدَّمون، قاله الحسن، والزجاج. وعن قتادة كالقولين. قال ابن قتيبة: يقال: {تفكَّهون} تَنَدَّمون، ومثلها: تَفَكَّنونَ، وهي لغة لعُكْلٍ.
والثالث: تتلاومون، قاله عكرمة.
والرابع: تتفجَّعون، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {إنّا لَمُغْرَمونَ} قال الزجاج: أي: تقولون: قد غَرِمْنا وذهب زرعنا. وقال ابن قتيبة: {لَمُغْرَمونَ} أي: لَمُعَذَّبون.
قوله تعالى: {بل نحن محرومون} أي: حُرِمْنا ما كنّا نطلبه من الرّيع في الزرع. وقد نبَّه بهذا على أمرين.
أحدهما: إنعامه عليهم إذ لم يجعل زرعهم حُطاماً.
والثاني: قدرته على إهلاكهم كما قدر على إهلاك الزرع. فأمّا المُزْن، فهي السَّحاب، واحدتها: مُزْنة.
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {تُورُونَ} قال أبو عبيدة: تستخرجون، من أَوْرَيت، وأكثر ما يقال: وَرَيت. وقال ابن قتيبة: التي تَستخرجون من الزُّنود. قال الزجاج: {تورون} أي: تقدحون، تقول: أَوريتُ النّار: إذا قدحتَها.
قوله تعالى: {أأنتم أنشأتم شَجَرَتَها} في المراد بشجَرَتها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الحديد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها الشجرة التي تُتَّخذ منها الزُّنود، وهو خشب يُحَكُّ بعضُه ببعض فتخرج منه النار، هذا قول ابن قتيبة، والزجاج.
والثالث: أن شجرتها: أصلُها، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {نحن جَعَلْناها تَذْكِرَةً} قال المفسرون: إذا رآها الرائي ذكر نار جهنم، وما يخاف من عذابها، فاستجار بالله منها {ومتاعاً} أي: منفعة {للمقوين} وفيهم أربعة أقوال.
أحدها: أنهم المسافرون، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. قال ابن قتيبة: سموا بذلك لنزلهم القَوَى، وهو القفر. وقال بعض العلماء: المسافرون أكثر حاجة إِليها من المقيمين، لأنهم إِذا أوقدوها هربت منهم السباع واهتدى به الضال.
والثاني: أنهم المسافرون والحاضرون، قاله مجاهد.
والثالث: أنهم الجائعون، قال ابن زيد: المقوي: الجائع في كلام العرب.
والرابع: أنهم الذين لا زاد معهم ولا مردَّ لهم، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} قال الزجاج: لما ذكر ما يدل على توحيده، وقدرته، وإنعامه، قال: {فسبح} أي: برِّء الله ونزّهه عما يقولون في وصفه. وقال الضحاك: معناه: فصل: باسم ربك، أي: استفتح الصلاة بالتكبير. وقال ابن جرير: سبح بذكر ربك وتسميته. وقيل: الباء زائدة. والاسم يكون بمعنى الذات، والمعنى: فسبح ربك.

1 | 2 | 3